الرحيق المختوم الدرس الثالث: أحداث المولد ومرحلة الرضاعة

من طرف **سامي فؤاد** الخميس ديسمبر 17, 2015 6:24 pm

كتاب الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله

سؤال الدرس الماضي: ما القول الراجح في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم في العام والشهر واليوم؟

الدرس الثالث: أحداث المولد ومرحلة الرضاعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

قال المؤلف: وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك البيهقي.

شرح الجزئية: كل ما ذكر من هذه الأحداث أكثر العلماء على عدم صحته. قال الشيخ الألباني في صحيح السيرة [ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات ليس فيه شيء].

وكذلك لا يقره محمد الغزالي في كتاب فقه السيرة ص 46.

قال المؤلف: وروى ابن سعد أن أم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت: لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، وروى أحمد عن العرباض بن سارية ما يقارب ذلك.

ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد وهذا الاسم لم يكن معروفا في العرب وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون «ابن هشام 1/ 159، 160».

شرح الجزئية: قد ذكر ابن القيم رحمه الله في ختان النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال فقال: وقد اختلف فيه على أقوال: أحدها: أنه ولد مختونا.

والثاني: أن جبريل ختنه حين شق صدره. الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم. " تحفة المولود " (ص 201).

ثم في نهاية البحث: أثبت ضعف الرأي الأول والثاني، ثم قال في الرأي الثالث: قال ابن العديم: وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع، قال: وهو على ما فيه أشبه بالصواب، وأقرب إلى الواقع.

" تحفة المولود " (ص 206)

قال المؤلف: وأول من أرضعته من المراضع بعد أمه صلّى الله عليه وسلم ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.

شرح الجزئية: ثويبة هي مولاة أبي لهب، أعتقها حين بشّرته بولادة محمد عليه الصلاة والسلام، وقد أسلمت وكل أمهاته صلى الله عليه وسلم أسلمن.

وقد ثبت إرضاعها للنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري فعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: «فَأَفْعَلُ مَاذَا؟» قُلْتُ: تَنْكِحُ، قَالَ: «أَتُحِبِّينَ؟» قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي، قَالَ: «إِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي»، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ، قَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ] (البخاري 5106).

أما ما يروى من رؤية أبي لهب في المنام أنه يخفف عنه كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة لما بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فليس بصحيح لأنه ليس كلاما ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو رؤية رآها أحد أهله ولا تثبت الأحكام بالرؤى والأحلام إلا للأنبياء. قال النووي رحمه الله في كتاب المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسانٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلةُ أول رمضان، لم يصح الصوم بهذا المنام لا لصاحب المنام ولا لغيره، ذكره القاضي حسين وآخرون ونقل القاضي عياض الإجماع عليه ، وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم ...... اهـ.

وأيضاً هذه القصة مخالفة لصريح القرآن، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9ـ48)، وقد أجمع العقلاء من أهل الإسلام فضلاً عن علماء الأصول على عدم رد ظاهر النص القرآني في مثل هذا المنام. قال الله تعالى في كتابه العزيز {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر 35].

إلى اللقاء في الدرس القادم .. أخوكم أبو عبد الرحمن