أسئلة تُحرَج المرأة من السؤال عنها 6 (حكم مس الحائض للمصحف)

من طرف **سامي فؤاد** الجمعة أكتوبر 09, 2015 10:31 pm

تأتي علي الدورة الشهرية (الحيض) فيعترضني بعض الأمور مثل نقل المصحف من مكان لمكان، أو أن أحداً يناولني مصحفاً فأضطر إلى أخذه بيدي، وأيضاً احتاج لقراءة القرآن خاصة أني أحفظ أبنائي، إضافة إلى أني احتاج لقراءة وردي القرآني كل يوم.

والسؤال هل يصح كل ذلك بلمس المصحف وحمله وقراءة القرآن وأنا حائض؟

الجواب:

هذا السؤال ينقسم إلى قسمين أو سؤالين:

الأول: هل يجوز قراءة القرآن من الحفظ بغير مس المصحف أثناء الحيض؟

الثاني: هل يجوز لمس المصحف لأي غرض ما أثناء الحيض؟

فنستعين بالله على الإجابة:

أما عن قراءة القرآن من الحفظ بغير مس للمصحف فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن إذا كانت حائضاً فمنهم من منع ذلك وقال لا يحل لها أن تقرأ شيئاً من القرآن إلا ما جاء به من الذكر الموافق للقرآن كما لو قالت بسم الله الرحمن الرحيم تريد التسمية، أو قالت الحمد لله رب العالمين تريد الثناء على الله دون التلاوة، أو قالت إن لله وإنا إليه راجعون لمصيبة أصابتها تريد الاسترجاع دون التلاوة. فإن هذا لا بأس به.

ومنهم من قال إن الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن وذلك لأنه لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة صريحة في منع الحائض من القراءة والأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع وهذا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن والفرق بينه وبين الحائض أن الحائض تطول مدتها في حيضتها ولا يمكنها أن تتطهر منها بخلاف الجنب فإن الجنب يمكنه أن يتطهر في ساعته فلهذا يمنع من قراءة القرآن حتى يغتسل وأما الحائض فلا تمنع من قراءة القرآن وهذا هو الراجح إن شاء الله لعدم وجود دليل صحيح يمنع الحائض من قراءة القرآن.

أما مسألة مس المصحف للحائض فهذه مسألة الخلاف فيها دائم بين أهل العلم منهم من منع وبشدة مس الحائض والنفساء والجنب للمصحف إلا بحائل، ومنهم من جوز للحائض والنفساء ولم يرخص للجنب، وفيما يلي البحث والأدلة في المسألة:

مذهب جمهور العلماء حرمة قراءة القرآن للجنب والحائض، وأحسن ما استدلوا به لذلك حديث يروى عن علي، رضي الله عنه، قال: [إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ -أَوْ قَالَ: يَحْجِزُهُ -عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ]. (الحديث أخرجه أبو داود 229 وهو حديث ضعيف)

وآخر يروى عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ] (الحديث أخرجه الترمذي 131 وهو حديث منكر)

وبما أن الحديثين لا يصحان عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا الأصل عدم المنع وعدم التحريم حتى يقوم الدليل الصحيح على المنع من مس المصحف، والتحريم لا يجوز القول به إلا ببرهان صحيح بيّن. لكن بعض السلف قصر الرخصة في قراءة القرآن للجنب على القليل من ذلك كالآية والآيتين.

وكأن ذلك جاء من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذكر الله على غير وضوء، والجنابة أكبر من الحدث الذي يوجب الوضوء، فحالها أولى بالكراهة، لكن هذا لا يبلغ التحريم.

والذي يترجح في حق الجنب: كراهة قراءة القرآن له حتى يتطهر، فإذا قرأ ترك الأولى ولم يأثم. (من كلام الشيخ عبد الله الجديع).

أما الحائض، فأمرها أيسر من الجنب؛ لأن حيضتها ليست في يدها، وهي تجلس الأيام لا تصلي انتهاء عند نهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح أن تحجب فيها عن سائر الأعمال الصالحة، دون أن يمنعها من ذلك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحيث علمتَ عدم ثبوت مانع يمنعها من قراءة القرآن، فيبقى حالها على الأصل في الجواز.

فلها أن تمس المصحف وتناوله وتتناوله وله أن تُحَفِّظ أبناءها ولها أن تُدَرِّس القرآن ولها أن تحفظ وتتلو القرآن لأن هذا هو الأصل بعدم المنع من ذلك لعدم الدليل الصحيح المانع.

أما الاستدلال بعموم قوله تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فليس بصواب – والله أعلم – ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها فإن هذه الآية الكريمة لا تعني القرآن الكريم في قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) وإنما المراد به اللوح المحفوظ واقرأ واستمع إلى الآية (إنه لقرآنٌ كريمٌ في كتابٍ مكنون لا يمسه إلا المطهرون) الضمير في يمسه يعود إلى الكتاب المكنون لأنه أقرب مذكور والقاعدة في اللغة العربية تقول إن الضمير يعود إلى أقرب مذكور وعلى هذا فالذي لا يمسه المطهرون هو الكتاب المكنون والتعبير بقوله تعالى (المطهَرون) اسم مفعول ولم يقل المطَّهِرون اسم فاعل ولو كان المراد لا يمسه إلا الطاهر لقال لا يمسه إلا المطِرون ولما قال إلا المطَهرون علم أنهم الملائكة الذين طهرهم الله سبحانه وتعالى.

وأما البشر فإنهم لا يُطلق عليهم (مطهّرون) لأنهم يتطهرون ولذا قال الله عز وجل في شأن البشر (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) وقال في شأن النساء: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) فالناس يتطهّرون، ولا يُوصفون بأنهم (مُطهّرون)

قال ابن عباس: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) قال: الكتاب الذي في السماء.

الخلاصة: أن الحائض لها أن تقرأ القرآن وتمس المصحف لعدم الدليل المانع من ذلك والله أعلم.

أما الجنب فلا يمس ولا يقرأ من القرآن شيئاً وهذا على سبيل الكراهة لأن طهارته في يده.

ولو سلمنا بالقول باشتراط الطهارة لمس المصحف فسيكون في الأمر صعوبة على كثير من الناس وسيعرض الكثير عن القرآن بسبب التكاسل عن الوضوء وخاصة في أيام البرد الشديد، ومن العجب أن من اشترط الوضوء لمس المصحف ألزم بذلك أطفال الكتاتيب.