اداب نبوية للبيوت الإسلامية 1 (كف الصبيان)

من طرف **سامي فؤاد** السبت سبتمبر 05, 2015 10:25 pm

آداب نبوية للبيوت الإسلامية

الأدب الأول

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

نعيش بعون الله تعالى ومدده مع حديث من أحاديث التي جمعت بعض الآداب النبوية التي علمنا إياها رسول الله r.

والحديث أورده الإمام البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله r قال { إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ فَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ} (البخاري 3304).

هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا فأمر r بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، فقال r {إذا كان جنح الليل} ففي بداية كلام النبيr إشارة إلى التكرار بقوله إذا، فهي تفيد التكرار، فأفاد ذلك تكرار فعل هذه الآداب كلما تكرر الليل.

و{جنح الليل} هو إقبال الظلام والذي يكون بغروب الشمس، وبين ذلك ما ذكره النبي r بعدها مباشرة بقوله أو {أمسيتم}.

ثم قال r {فكفوا صبيانكم} كف الصبيان أي منعهم من الخروج من البيوت عند ذلك الوقت، وقت غروب الشمس، وليس الأمر بالمنع من الخروج أو التواجد بالشوارع للصبيان فقط، وإنما ورد في رواية مسلم أنه r قال {لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ

فَحْمَةُ الْعِشَاءِ} (مسلم 2013).

فذكر r {الفواشي}: والفواشي هي كل ما يرسل من الأموال كالإبل والبقر والغنم وغيرها. وقال {حتى تذهب فحمة العشاء} فبان بذلك نهاية الوقت المحظور فيه الحركة وهو فحمة العشاء، وفحمة العشاء هي إقبال الليل وأول سواده، واتضح ذلك أيضاً من قوله r { فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم} أي أخرجوهم ، وهي كما قال أهل العلم بداية وقت صلاة العشاء.

فعلمنا بذلك أن الوقت المحظور هو {من بداية غروب الشمس إلى صلاة العشاء}.

ثم بعد ذلك بين لنا الحبيب r العلة التي لأجلها تمنع الصبيان والأموال من التواجد في الشوارع فقال r {فإن الشياطين تنتشر حينئذ} أي أن ذلك الوقت هو وقت انتشار الشياطين، فحرصاً على الأموال والأولاد من إيذاء الشياطين أمر رسول الله r بعدم التواجد في وقت وأماكن انتشارهم.

وفي رواية أخرى في البخاري قال {فإن للجن انتشارا وخطفة}.

قال أهل العلم: لعل الحكمة من ذلك أن الجن يكون محبوساً طوال النهار في العالم السفلي بسبب الشمس التي لها سلطان قاهر على الجن بالنهار، فحينما تغرب الشمس يخرجون بشدة وبأعداد مهولة لا حصر لها كما، قال بذلك أهل العلم، وقالوا أن الشياطين في هذا الوقت تبحث عن مأوى تأوي إليه فإذا وجدت صبياً اتخذته مأوىً لها، أو باباً مفتوحاً، أو إناء، أو سقاء.

لأجل ذلك كان تحذير النبي r بكف الصبيان والأموال وإغلاق الأبواب وتغطية الأواني.

ولكن سؤال: لماذا الصبيان وحدهم اختصهم النبي r بذلك؟

الجواب ما قاله أهل العلم أن الأصل في المسلم أنه كثير الذكر محصن بالأذكار، والصبي الصغير غير مكلف وربما لا يعرف شيئاً عن الأذكار، فيكون فريسة للشياطين سهلة، لذلك أمر النبي بكفهم عن الخروج في وقت انتشار الشياطين.

ولو نظرنا إلى هذه العلة لوجدنا أن كثيراً من الناس البالغين المكلفين يلزمهم أن يحبسوا

أنفسهم كالصبيان لئلا يصيبه الشيطان لأنهم لا يعرفون شيئاً عن ذكر الله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولكن قد نضطر لإخراج الصبية في ذلك الوقت لضرورة ما أو أنهم يذهبون للصلاة المغرب مثلاً. فما الحل إذاً؟

لما نظرت في كلام أهل العلم في ذكر العلة التي تمنع خروج الصبيان وهي عدم التحصين بذكر الله اجتهدت رأيي بأنه لو اضطر الأمر لخروج الصبية أن نعلمه ذكر التحصين عند الخروج من البيت والذي علمه لنا رسولنا الكريم r فقال { إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟} (أبو داود 5095).

فيقوله قبل الخروج من البيت فيجعله الله حصناً له. وهذا رأي مني والله أعلم بصحته فما علمت أحداً قاله قبلي.

وأكتفي اليوم بذكر الأدب الأول من هذه الآداب النبوية ونكمل فيما بعد، وهذا ما أعلم والله أعلى وأعلم.

أبو عبد الرحمن