الجهل بأحكام الوصايا: وهذا هو تفصيل أحكامها:
أما عن وصية الأموال: فمنها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو محرم.
فالوصية الواجبة: تكون في كل حق واجب على الموصي ليس عليه بينة كشهود يشهدون به لصاحبه، فيوصي به خشية أن يجحده الورثة، أو لا يصدقوا مدعيه، مثل أن تكون عند المرء زكاة لا يعلم بها إلا هو ولا يتمكن من إخراجها في الوقت الحاضر، أو عليه كفارة من الكفارات، أو عليه نذر نذره ولم يوفّه، أو يكون عليه دين لأحد من الناس بسبب اقتراض أو مبايعة بأجل أو شراكة بينهما في مال ولا بينة.
والوصية المستحبة: أن يوصي بثلث ماله ولا يزيد عن الثلث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ] (ابن ماجة 2709).
وهذا الثلث يصرف في وجوه البر، من الجهات الخيرية، أو للفقراء والمساكين، أو بإقامة منفعة للناس.
وهذه الوصية لها شروط لا تصح ولا تنفذ إلا بها:
1- ألا تزيد على ثلث المال إن كان له ورثة: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حينما أراد أن يتصدق بماله وله ورثة [فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ] (البخاري 2742).
* فإن زادت عن الثلث وله ورثة، ترد عند تنفيذها إلى الثلث، إلا إذا رضي بذلك الورثة.
* أما إن لم يكن له ورثة فله أن يوصي بماله كله كيفما يشاء ما لم يكن في وجه حرام.
2- إن كانت الوصية لأفراد من الناس فلا تكن لوارث منه: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع ذلك وقال [إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ] (الترمذي 2120).
أما الوصية المحرمة: فهي الوصية بشئ من المال في وجه محرم: كمن يوصي بذبيحة عند قبور الأولياء، أو يوصي بمال لأماكن اللهو والمعاصي، أو يوصي بإقامة المآتم والمغالاة فيها.
أما عن وصية الأعمال: فمنها أيضاً ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو محرم.
فأما الوصية الواجبة من الأعمال: أن توصي أهلك من بعدك بما هو واجب عليهم من الطاعات فتوصيهم بتقوى الله عز وجل وطاعته، وطاعةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته، وتنهاهم عن معصية الله وسوله.
قال الله تعالى مخبراً عن وصايا الأنبياء لأهلهم [وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)] (البقرة)
وقال تعالى عن لقمان لابنه [وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] (لقمان 13).
وأما الوصية المستحبة: أن توصي أهلك من بعدك بأعمال البر التي يستحب فعلها كالنوافل والصدقات، والتعاون على البر والتقوى وصلة الأرحام وغير ذلك من أعمال الخير.
أما الوصية المحرمة: فهي أن توصي أهلك بفعل معصية، أو ترك معروف، كمن يوصي بقطيعة الأرحام، أو يوصي بأعمال بدعية محرمة تخالف شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.