اداب نبوية للبيوت الإسلامية 4 (تغطية الأواني مع ذكر اسم الله)

من طرف **سامي فؤاد** الجمعة أكتوبر 23, 2015 10:58 am

الأدب الرابع

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

وقفنا فيما مضى مع الأدب الثاني والثالث من الآداب النبوية التي ذكرها لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقد ذكرنا الحديث من قبل، فكان الأدب الثاني غلق الأبواب بالليل مع ذكر اسم الله عليه وتعلمنا ذكر دخول البيت، والأدب الثالث إيكاء السقاء، وتعلمنا بفضل الله آداب الشرب.

واليوم بإذن الله تعالى نقف مع أخر هذه الآداب، الأدب الرابع والخامس.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ}.

قال صلى الله عليه وسلم خمروا آنيتكم: الآنية أي الأوعية جمع إناء، وهي: كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله.للطعام أو للشراب أو غير ذلك.

وقال: خمروا أي غطوا، فجاء الأمر عام بتغطية الأواني بكل أشكالها، فإن لم يوجد لها غطاء أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نعرُض عليها شيئاً، وشيئاً عامة تشمل كل ما يمكن أن يكون غطاء أو في حكم الغطاء.

ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشيء ما هو، أو ما أقل أن يكون، في رواية أخرى قال {غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ وَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَحُلُّ سِقَاءً وَلاَ يَفْتَحُ بَابًا وَلاَ يَكْشِفُ إِنَاءً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ } (مسلم 23).

فبين صلى الله عليه وسلم أن أقل الأشياء التي يغطى بها الإناء ولو عودا، يكون بعرض الإناء كما دل الحديث على ذلك.

وفي عرض العود على الإناء من الحكمة: أنه لا ينسى تخمير الإناء بل يعتاد على ذلك ولو بالعود، وفيه أيضاً أنه ربما أراد شيء من الحشرات أن يسقط فيه فيمر على العود ولا يسقط في الإناء.

ولعله إن سقط في الطعام ينفر منه صاحبه، ولعله لم يكن عنده من الطعام غيره فيلحقه بذلك مشقة و ضرر.

قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله (يسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود).

وهذا الأدب فيه من المنافع ما فيه من رحمة الله بنا أن شرع لنا مثل هذه التشريعات وهذه الآداب التي بها يحفظ الله لنا أنفسنا وأموالنا وأعراضنا، وأرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم فعلمنا إياها. والحمد لله.

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بذكر اسم الله عند تغطية الإناء فقال {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} وهذا هو الموضع الثالث في هذا الحديث الذي يطلب من المكلف بذكر اسم الله علي الأشياء قبل فعلها للدلالة على أهمية الذكر للعبد وأنه حصن حصين كما قال بذلك يحيى بن زكريا عليهما السلام {وإن أحصن ما يكون العبد من الشيطان وهو في ذكر الله}.

ولكن هناك سؤالين:

الأول: هل العلة في تغطية الإناء هي الحفظ من الشيطان والحشرات فقط؟

الثاني: هل الأمر بالتغطية يشمل الإناء الفارغ والمملوء؟ أم هو قاصر على المملوء؟

الجواب:

أما الأول: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية من طريق آخر أن هناك علة أخرى غير هاتين العلتين وهي أخطر منهما.

قال جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ { غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ فَإِنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ } (مسلم 2014).

قَالَ اللَّيْثُ فَالأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ في كَانُونَ الأَوَّلِ(شهر ديسمبر).

فاتضح من الحديث أن العلة الخطيرة المدمرة هي نزول وباء من السماء في يوم مجهول من السنة ليس بمعلوم حتى نحذر فيه من هذا الوباء.

وقد قالوا أن الوباء مرض عام يفضى إلى الموت غالبا.

ونظراً لجهالة اليوم فإنه ينبغي علينا أن نهتم بتعاليم وآداب الإسلام لأن فيها السلامة والأمان والحفظ من كل سوء بإذن الله تعالى، ولا ينجو من هذه الأوبئة إلا من اتبع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الثاني: هل الأمر بالتغطية يشمل الإناء الفارغ والمملوء؟

نعم يشمل الأمر بالتغطية الإناء الفارغ والمملوء. لأن العلة التي ذكرها النبي r بينت ذلك حينما قال صلى الله عليه وسلم {لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ}.

فقال {لا يمر بإناء} ولم يعين هل المملوء فقط أو الفارغ فقط، وطالما أن المسألة مطلقة فتحمل على إطلاقها ما لم تخصص بالدليل.

ودل على ذلك أيضا الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {وَأَوْكُوا القِرَبَ وَأَكْفِئُوا الآنيةَ} فقال أكفئوا الأنية أي اقلبوها، ولا يعقل أن الإناء المملوء هو الذي يقلب، ولا يمكن ذلك.

فدل على أن المملوء يغطى، والفارغ يقلب إن لم يغطى لئلا ينزل فيه من البلاء.

وخلاصة القول بهذا الأدب أن نهتم ونحرص على تغطية الأواني ولو لم يكن إلا عودا، أو إكفائها إن كانت فارغة، ولا ننسى أن نذكر اسم الله عليها عند فعل ذلك. والله أعلم.

تابعونا في الحلقة القادمة أبو عبد الرحمن