اداب نبوية للبيوت الإسلامية 2 (غلق الأبواب بالليل)

من طرف **سامي فؤاد** الأربعاء أكتوبر 21, 2015 2:38 pm

الأدب الثاني

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

نواصل ما بدأناه في ما مضي من الكلام عن حديث الآداب النبوية الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أهل السنن، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله r قال { إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ} (البخاري 3304).

وقد وقفنا مع الأدب الأول من هذه الآداب وكان الكلام فيه عن كف الصبيان عن الخروج من غروب الشمس إلى صلاة العشاء، وكذلك المواشي، وذكرنا العلة في ذلك هي انتشار الجن كما بين ذلك رسول الله r ، ثم ذكرت العلة في اختصاص الصبيان بالمنع هي عدم التحصن بالأذكار، وذكرت أنه في حالة الضرورة للخروج أن نعلمه ذكر الخروج من البيت وقد ذكرناه.

واليوم بمشيئة الله نتكلم عن الأدب الثاني من هذه الآداب النبوية التي ما علمنا رسول الله r إياها إلا حرصاً علينا وعلى أموالنا وعلى أبنائنا.

غلق الأبواب

وما أراد بنا إلا الخير. فقال {وأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا}.

جاء الأمر بغلق الأبواب في هذا الحديث، ولكن هل الأمر عام بالليل والنهار أم هو خاص بالليل؟ من أول الحديث يتبين لنا أن الأمر خاص بالليل لأنه r قال إذا كان جنح الليل أو أمسيتم... ثم ذكر الآداب دل ذلك على أن هذه الآداب خاصة بالليل لا بالنهار.

وقال أهل العم أن هذه الآداب خاص فعلها بالليل بخلاف النهار لأن الليل ينتشر فيه الجن وما لا نعلم كما قال r { إن الله يبث من خلقه بالليل ما لا تعلمون}.

ولأن الليل سكن بخلاف النهار.

والأمر بغلق الأبواب وذكر اسم الله عليها بالليل وعند المبيت حفاظاً للمسلم على بيته وأهله وماله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن وكذل دخول الحيوانات والحشرات المؤذية التي تهرب من الظلام إلى الضوء في البيوت.

ثم ذكر النبي r أن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، رغم ما أعطاه الله من قوة إلا أنه لا يستطيع أن يفتح باباً مغلقاً.

ولعل ذلك بفضل ذكر اسم الله على الباب فجعل له حصناً من الشيطان.

قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يوجه قوله {فإن الشيطان لا يفتح} على عمومه، ويحتمل أن يخص بما ذكر اسم الله عليه، ويحتمل أن المنع لأمر متعلق بجسمه، ويحتمل أنه لمانع من الله بأمر خارج عن جسمه، قال والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج فأما الشيطان الذي كان داخلا فلا يدل الخبر على خروجه، فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا دفعها، ويحتمل أن التسمية عند الإغلاق تقتضي طرد من في البيت من الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه.

قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان إذا نام أن يجافي الباب أي يغلقه.

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن.

وأما قوله: إن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز و جل على عباده من الإنس، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء، وأنه قد حرم هذه الأشياء، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس. انتهى. (الاستذكار 8/363).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن دقيق العيد : في الأمر بإغلاق الأبواب من

المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين.

والحديث فيه إعلام بعدم دخول الشياطين التي بالخارج إذا أغلق الباب وذكر عليه اسم الله عليه، ولكن ماذا سنفعل بالشياطين التي هي بداخل البيوت، والتي من المؤكد وجود ها في بيوتنا لما فيها من وسائل المعاصي والمخالفات الصريحة لأمر الله وأمر رسوله r.

فما الحل إذاً؟

الحل عند رسول الله r الذي ما ترك من عمل يقربنا من الجنة ويباعدنا من النار إلا وقد بينه لنا.

في سنته r حيث أرشد إلى حصن الدخول للبيوت، كما أرشد إلى حصن الخروج من قبل. فقال r {إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ} (مسلم 2018).

فبين أن طرد الشياطين من البيوت يكون بذكر الله عند الدخول وعند الطعام، وإلا دخل الشيطان وسكن البيت وأكل من أكله، وفعل بأهله ما يفعل.

فالخير كل الخير في اتباع هدي رسول الله r وسنته.

ثم علمنا رسول الله ما هو الذكر الذي يقال عند الدخول إلى البيت فقال r { إِذَا وَلَجَ الرجلُ بيتَه فليقل اللَّهمَّ إني أسألك خير المَوْلَجِ، وخير المَخرَج ، بسم الله وَلَجْنا ، وبسم الله خرجنا، وعلى الله رَبِّنا توكلنا ، ثم ليُسلِّمْ على أهله} (أبو داود 5096).

وعلمنا r الذكر على الطعام فقال {سَمِّ اللَّهَ}، وعلمنا آداب الطعام لنتحلى بها فقال {َكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ} (البخاري 5376).

فهذه الأذكار التي علمنا رسول الله r إياها تمنع دخول الشيطان بالبيت وتطرده وتحرمه من الطعام فخير الهدي هديه r وقد صدق حين قال ذلك.

تابعونا في الحلقة القادمة أبو عبد الرحمن