إن من فضل الله تعالى على عباده جميعاً مسلمهم وكافرهم أن شرع لهم أمراً  يقضون به حوائجهم التي لا يملكون ما يقضونها به في وقتها، وهو الدَّيْن.
* الــدَّين: هو كلُ مالٍ ثبتَ في الذمة، من ثمن مبيع، أو أقساط، أو أجرة، أو قرض، أو صداق، أو عوض خلع.
إذن: فالتعامل بالدين نعمة من الله تعالى يسر الله بها على عباده، فكان من الممكن ألا يجعل الله أمراً يسمى التعامل بالدين وكلٌ يكفي نفسه.
ولكن من رحمة الله بعباده أن شرع مثل هذه المعاملات للتيسير على عباده في قضاء حوائجهم.
ورغم ذلك يتهاون فيه كثير من الناس، يتهاونون في تعلم أحكامه ومن هنا تكثر أخطاؤهم فيه، ويتهاونون في سداده ومن هنا تكثر الخلافات بين الناس في الدنيا ويكون عليهم وبالاً في الأخرة.
ومن أخطاء الناس في الدَّيْن:
1- الجهل بأحكامه وشروطه: كثير من الناس إلا من رحم ربي لا يعرف إلا القليل من أحكام الدين، وهذا خطأ في حق المسلم أن يجهل أحكام عباداته ومعاملاته، لأن ذلك يترتب عليه الكثير من المفاسد الدينية والدنيوية.
لهذا سأتعرض مع حضراتكم لذكر أحكام الدين لنصحح أخطاءنا في تعاملاتنا وهي:
1- أن يكون لأجل مسمى: ولا يصح أن يترك هكذا بغير أجل معلوم، بحجة أنه صاحب أو قريب، فطاعة الله واتباع السنة أولى من كل هذا، لأن الله قال في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه} (البقرة282).
2- ألا يكون فيه رباً: كمثل الزيادة في مقابل التأخير، أو الإقراض بالزيادة، أو لنفع من وراء القرض، أو ما شابه صورة من صور الربا المختلفة. 
فالربا كله حرام كما قال تعالى {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقد [لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ} (مسلم 1598).
3- ألا يكون فيه شرط باطل: بإلزام المقترض ما لا يرضاه، إلا لحاجته، وهو ما نسميه في عرفنا بالاستغلال، وهو حرام.
مثلاً: كأن يقول المقرض للمستدين: أقرضك كذا في مقابل أن تبيع لي دارك، أو في مقابل أن تزوجني ابنتك، وهكذا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِل} (النسائي11741).
4- كتابة الـدَّيْن والإشهاد عليه: لأن الله عز وجل أمر بكتابة الدَّيْن والإشهاد عليه، فقال [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه] أمر بالكتابة وقال أيضاً [وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا] (البقرة282).
وذلك (الكتابة والإشهاد) لحفظ أموال الناس ومراعاة حقوقهم، وكان الأمر عام في كتابة كل الديون صغيرها وكبيرها لأجلها المحدد بين الطرفين، وعام في كتابة كل الديون لكل الناس، ثم نسخ الأمر من الوجوب إلى الاستحباب وبالآية التي تليها في قول الله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} جعل الشارع الأمانة شرطاً لترك كتابة الدَّين، أما من لا نأتمنه فيجب كتابة دينه لئلا يضيع المال، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسك.
وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده أنهم كانوا لا يكتبون كل الديون، بل والأشياء الحقيرة من الدين كانوا لا يكتبونها.
وما تعارف عليه الناس من الإيصالات، والدفاتر، والكمبيالات يصح العمل بها عرفاً في كتابة الدَّين لأن الناس تعارفوا عليها، ويعمل بها في القضاء.
وفي كتابة الدين يقع بعض الناس في أخطاء:
أولها: أن من الناس من إذا طُلب منه التوقيع على إيصالات بالدَّيْن يرفض ذلك بحجة أن صاحب الدين يُخَوِنُهُ بهذا، فهذا جاهل لأنه لا يعلم أن الله أمر بكتابة الدين، وأيضاً هو أول الخائنين، فلعله يريد أن يفر من الدَّيْن، وإلا فما المانع من ذلك إن كان ينوي السداد.
ثانيها: أن الدائن يقع في خطأ عظيم هو الآخر حينما يطلب من المستدين أن يوقع على وصل أبيض غير محدد القيمة، وهذا لا يجوز شرعاً، لأنه نوع من الجهالة، وكل ذلك منهي عنه في شرع الله جل وعلا، فينبغي عليه أن يكتب ما له من الدين لأن الله قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} فقال فاكتبوه والهاء ضمير يعود على الدَّيْن الذي وقع بين الدائن والمستدين، وليتق الله، وليعلم علم اليقين أن التوكل على الله في تحصيل دينه خير وأفضل من التوكل على الافتراء على الناس بالزور والبهتان، وليعلم أن ذلك لعله يكون باب فتنة ربما وقع فيه.